حرف الجيم
جعل ـ خلق
• الجَعْل فى
اللغة: التهيئة والصنع، وتصيير الشىء من حالة إلى حالة
[1].
• والخلق فى اللغة: تقدير الأشياء، وإيجادها على مثالٍ لم يسبق إليه
[2].
وقد ورد كلا اللفظين فى القرآن الكريم فى آيتين متشابهتين لفظًا، ففى أول سورة
النساء:
- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}
وفى موضع آخر قال الله عز وجل:
- {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ
مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} الأعراف/189.
فاستخدم الفعل "خلق" فى آية النساء؛ لأن هذه الآية
تتحدث عن بداية خَلْق آدم عليه السلام، وخلق حواء من ضلعه، فناسب هنا استخدام لفظ "الخلق"
للدلالة على الأوليَّة المقصودة [3].
واستخدم فى آية الأعراف الفعل "جعل"؛ لأن سياق هذه
الآية فى معنى آخر غير معنى الأوليَّة والبداية، وهو ذِكْر ما بين الرجل والمرأة من
سَكَنٍ ورحمة وميل غريزى، فناسب ذلك التعبير بالفعل "جعل" بمعنى: صَيَّرَ وهَيَّأ،
بما فى معنى التهيئة من التيسير، وبما فى الجعل من معنى التبعية، وكَوْن الشىء
تبعًا لشىءٍ أدعَى إلى أن يميل ويسكن إليه
[4].
ولعل الفارق الدلالىَّ فى الاستخدام القرآنى للفعلين "جعل -
خلق" يتضح بجلاء تامٍّ فى قول الله عز وجل:
- {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}
الأنعام/1.
فعبّر عن السماوات والأرض بلفظ "خلق"؛ لأنَّ
السماوات والأرض أجرام تحتاج إلى التقدير والإيجاد ابتداءً؛ وعبَّر عن الظلمات
والنور بلفظ "جعل"؛ لأن الظلمات والنور مخلوقات من
شىء آخر، إذْ هُما تبع للسماوات والأرض، فناسب ذلك التعبير بالفعل "جعل"
الدالّ على التهيئة وإنشاء شىء من شىءٍ سابق.
يقول الزمخشرى: والفرق بين الخلق والجعل أن الخلق فيه معنى التقدير، وفى الجَعْلِ
معنى التضمين كإنشاء شىءٍ من شىءٍ أى تصيير شىءٍ شيئًا، أو نقله من مكان إلى مكان
[5].
• ونخلص مما سبق إلى أن الاستخدام القرآنى لكلمتى "جعل ـ خلق":
يُظهِر اشتراكهما فى معنى: إحداث الشىء.
• والملمح الدلالى المميِّز لكلمة "خلق" هو: التقدير
والأوليَّة.
• فى حين أن الملمح الدلالى المميِّز لكلمة "جعل" هو:
التضمين والتهيئة.
****************************
[1]
اللسان (ج ع ل).
[2]
اللسان، مفردات الأصفهانى (خ ل ق).
[3]
انظر: التحرير والتنوير 4/126.
[4]
التحرير والتنوير 4/127.
[5]
الكشاف 2/2.
|
|