حرف الجيم
جديد ـ مُحْدَث
• "الجديد"
فى اللغة: مأخوذ من جَدَّ الشىءَ إذا قَطَعَه، وقولهم: ثوب جديد، مأخوذ من هذا،
كأنَّ ناسجه قَطَعَه الآن، ثم سُمِّىَ كلُّ شىء لم تَأْتِ عليه الأيَّام جديدًا؛
ولذلك يُسَمَّى الليلُ والنهارُ: الجديدين؛ لأنَّ كل واحدٍ منهما إذا جاء فهو جديد
[1].
• و"المُحْدَث" فى اللغة: ما صار موجودًا بعد أنْ لم
يَكُنْ، يقال: حدثَ أمرٌ، أى ابتُدِعَ، ويوصف الشىءُ بالمُحْدَث تعبيرًا عن
أوَّليته، لم يَسْبِقْ مِثْلُه [2].
فالجديد امتدادٌ للقديم واستمرار له، والمُحْدَث شىءٌ مُبْتَدَعٌ لا سابق له.
وقد راعى القرآن الكريم هذا الفارق بين اللفظين، فجاءت كلمة "جديد"
فى الشىء الموصول بشىء سابق عليه، كما فى الآيات التالية:
- {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا
تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} الرعد/ 5.
- {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا
أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} الإسراء/
49، 98.
الخلق الجديد فى الآيات الكريمة يُرَاد به البعث بعد الموت، فقد أنكر
المشركون البعث وتعجبوا منه، فردَّ عليهم القرآن الكريم بأن الله عز وجل هو المخترع
الموجِد للأشياء، ومن كان قادرًا على إبرازها من العدم الصِّرْفِ إلى الوجود ـ كان
قادرًا على الإعادة [3].
وإذن فكلمة الجديد تشير إلى مقابل ضمنىٍّ هو القديم، فثمَّة خَلْقٌ، ولهذا الخلق
صورتان:
- خلق أول "قديم".
- خلق ثانٍ "جديد".
ولكن البعث ليس إنشاءً أو إيجادًا، بل هو "إعادة" ..
وعلى ذلك تشير كلمة "جديد" إلى الاستمرار والامتداد.
أمَّا كلمة "مُحْدِث" فى الاستعمال القرآنى فترد فى سياقات تدلُّ على الأوليَّة
والبداية، وإيجاد الشىء بعد أن لم يكن، كما فى قول الله عز وجل:
- {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ
شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}
الكهف/70
أى: لا تفاتحنى بالسؤال حتى أكون أنا الفاتح عليك
[4].
وقوله عز وجل:
- {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ
إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} الأنبياء/2
-{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ
مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ}
الشعراء/5.
ليس المراد بالمُحْدَث فى الآيتين نقيض القديم؛ لعدم مناسبته لسياق النظم
[5]،
لأن كلام الله سبحانه وتعالى قديم، والمراد بالذكر المحدث: إيجاده وإنزاله
[6].
• ونخلُص مما سبق إلى أن بين اللفظين "جديد ـ محدث"
تقاربًا دلاليًّا، إذ يشتركان فى وجود الشىء.
• ويتميز لفظ "الجديد" بملمح دلالىٍّ فارق هو وجود
جنس الشىء من قبلُ، وكونه امتدادًا للقديم واستمرارًا له.
• بينما لفظ "المحدث" يدل على إيجاد الشىء بعد أن لم
يكن، فهو دالٌّ على الأوليَّة لا على الاستمرار والاتصال.
***************************
[1]
مقاييس اللغة، مفردات الأصفهانى، اللسان (ج د د).
[2]
مقاييس اللغة، مفردات الأصفهانى، النهاية لابن الأثير، اللسان (ح
د ث).
[3]
البحر المحيط 5/365.
[4]
الكشاف 2/493.
[5]
التحرير والتنوير 17/11.
[6]
عمدة الحُفَّاظ (ح د ث).
|
|