حرف الجيم
جَبَل ـ طَوْد ـ عَلَم
• تدور مادة
"ج ب ل"
حول معانى: الضخامة، والصلابة، والغلظ، والثبات، والثقل
[1].
• والطَّوْد فى اللغة: الجبل العظيم العالى
[2].
ففيه كل معانى الجبل، وزيادة عليها فى العِظَم والارتفاع.
• والعَلَم فى اللغة: كل شىءٍ يكون مَعْلَمًا، ومنه قيل للجبل: عَلَمٌ، لظهوره
[3].
والاستعمال القرآنى للألفاظ الثلاثة قد راعى هذه الفروق اللغوية بينها، وجاء كل لفظ
منها فى السياق المناسب له.
فالجبل ـ وهو أكثرها ورودًا فى القرآن الكريم ـ جاء فى ذكر هذا الجزء من الأرض بكل
ما له من ملامح دلالية، فنجد ملمح الثبات بارزًا كما فى نحو قول الله عز وجل:
- {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا}
النبأ/7.
- {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}
النازعات/32.
ونجد ملمح العِظَم والثقل والضخامة والثبات فى نحو قول الله عز وجل:
- {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ
قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى
الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى
رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}
الأعراف/ 143.
- {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ
يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} طه/105.
هذا الكيان المتَّصف بالقوة والعظم والثقل والضخامة والثبات، قد صار بإذن
الله هشًّا متناثرًا، كالصوف المنفوش، وفقد كل خصائصه تلك أمام قدرة الله سبحانه
وتعالى.
أمَّا الطَّوْد فقد ورد فى القرآن الكريم مرة واحدة، فى قول الله عز وجل:
- {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ
الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}
الشعراء/63.
وذلك فى سياق وصف معجزة من معجزات سيدنا موسى عليه السلام، فجاءت كلمة
"الطود"
مناسبة لبيان عظمة المعجزة؛ حيث انفلق البحر إلى نصفين كل منهما كأنَّه جبل عظيم فى
ارتفاعه وضخامته وعِظَمه. فالطود: الجبل العظيم المنطاد فى السماء
[4].
ففيه مزيد على ملامح الجبل عِظَمًا وعُلُوًّا.
وأما كلمة "عَلَم" فقد وردت
فى القرآن الكريم مرتين بصيغة الجمع، فى الآيتين التاليتين:
- {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ}
الشورى/32.
- {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ
كَالْأَعْلَامِ} الرحمن/24.
جاءت كلمة "الأعلام"
هنا إيذانًا بنعمة تيسير الرزق، مع السلامة من طغيان ماء البحر وثورته، وإيجاد
أسباب الاهتداء والنجاة فى مكان هو مَظِنَّةٌ للضلال والهلاك
[5].
من هنا آثر القرآن الكريم كلمة "الأعلام"
الدالَّة على ما يُعْلَم به الشىء، وعلى الظهور؛ لأنَّ السياق هنا سياق الامتنان
بنعمة الهداية والإنجاء، مع الإيمان أيضًا إلى عِظَم هذه السُّفن وضخامتها.
• ونخلُص مما سبق إلى أن ألفاظ "جبل
ـ طود ـ علم" متقاربة دلاليًّا؛ حيث تشترك جميعها
فى الدلالة على الجِرْم الضخم الغليظ الثابت فى الأرض.
ولكن جاء كل لفظ منها مناسبًا لسياقه بما له من ملمح دلالىٍّ مميِّز:
• فالجبل هو الاسم العامُّ لهذه المرتفعات، وجاء فى سياقات وصف ملامح الأرض.
• والطَّوْد أعظم من الجبل؛ ولذلك ورد فى سياق وصف المعجزة.
• والعَلَم: جاء فى سياق الامتنان بالاهتداء والإنجاء؛ بما له من أصل دلالىٍّ يقتضى
العلم والاهتداء والاستدلال.
***************************
[1]
انظر: اللسان (ج ب ل).
[2]
مقاييس اللغة، اللسان (ط و د).
[3]
مقاييس اللغة، اللسان (ع ل م).
[4]
الكشاف 3/115، مفردات الأصفهانى (ط
و د).
[5]
التحرير والتنوير 27/252.
|
|